فصل: الباب الأول في أركانها وهي خمسة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب المساقاة

هي أن يعامل إنسان إنساناً على شجرة ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى من الثمرة يكون بينهما وفيه بابان‏.‏

 الباب الأول في أركانها وهي خمسة‏.‏

الثاني متعلق العمل وهو الشجر وله ثلاثة شروط‏.‏

الأول أن يكون نخلا أو عنبًا فأما غيرهما من النبات فقسمان‏:‏ القسم الأول ماله ساق ومالا والأول ضربان‏.‏

الضرب الأول ماله ثمرة كالتين والجوز والمشمش والتفاح ونحوها وفيها قولان القديم جواز المساقاة عليها والجديد المنع وعلى الجديد في شجر المقل وجهان جوزها ابن سريج ومنها غيره‏.‏

قلت الأصح المنع والله أعلم‏.‏

الضرب الثاني ما لا ثمرة له كالدلب والخلاف ويره فلا تجوز المساقاة عليه وقيل في الخلاف وجهان لأغصانه‏.‏

القسم الثاني ما لا ساق له كالبطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان والبقول التي لا تثبت في الأرض ولا تجز إلا مرة واحدة فلا تجوز المساقاة عليها كما لا تجوز على الزرع فإن كانت تثبت في الأرض وتجز مرة بعد مرة فالمذهب المنع وقيل وجهان أصحهما المنع‏.‏

الشرط الثاني أن تكون الأشجار مرئية وإلا فباطل على المذهب وقيل قولان كبيع الغائب‏.‏

الشرط الثالث أن تكون معينة فلو ساقاه على أحد الحائطين لم يصح‏.‏

الركن الثالث الثمار فيشترط اختصاصها بالعاقدين مشتركة بينهما معلومة وأن يكون العلم بها وفي استحقاق الأجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كالقراض أصحهما المنع لأنه عمل مجاناً ولو قال ساقيتك على أن لك جزءاً من الثمرة فسدت ولو قال على أنها بيننا أو على أن نصفها لي أو نصفها لك وسكت عن الباقي أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لي أو لك والباقي بيننا أو على أن صاعاً من الثمرة لي أو لك والباقي بيننا فحكمه كله كما سبق في القراض وفي التتمة وجه شاذ أنه تصح المساقاة إذا شرط كل الثمرة للعامل لغرض القيام بمصلحة الشجر‏.‏

 فصل إذا ساقاه على ودي ليغرسه

ويكون الشجر بينهما أو ليغرسه ويتعهده مدة كذا والثمرة بينهما فهو فاسد على الصحيح وقيل يصح فيهما للحاجة وقيل يصح في الثاني فعلى الصحيح إذا عمل في هذا الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت الثمرة متوقعة في هذه المدة وإلا فعلى الوجهين في شرط الكل للمالك ولو ساقاه على ودي مغروس فإن قدراً العقد بمدة لا يثمر فيها لم تصح المساقاة لخلوها عن الغرض وفي استحقاقه أجرة المثل الخلاف السابق قال الإمام هذا إذا كان عالماً بأنها لا تثمر فيها فإن جهل ذلك استحق الأجرة قطعاً وإن قدر بمدة يثمر فيها غالباً صح ولا يضر كون أكثر المدة لا ثمر فيها فإن اتفق أنها لم تثمر لم يستحق العامل شيئاً كما لو قارضه فلم يربح أو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر وإن قدر بمدة تحتمل الأثمار وعدمه لم يصح على الأصح كما لو أسلم في معدوم إلى وقت يحتمل وجوده وعدمه والثاني يصح فإن أثمرت استحق وإلا فلا شيء له وعلى الأول يستحق الأجرة إن لم تثمر لأنه عمل طامعاً هذه طريقة جمهور الأصحاب وجعلوا توقع الثمرة ثلاثة أقسام كما ذكرنا وقيل إن غلب وجودها في تلك المدة صح وإلا فوجهان وقيل إن غلب عدمها لم يصح وإلا فوجهان‏.‏

فرع دفع إليه ودياً ليغرسه في أرض نفسه على أن يكون الغراس للدافع والثمر بينهما فهو فاسد وللعامل عليه أجرة مثل عمله وأرضه ولو دفع إليه أرضه ليغرمها بودي نفسه على أن تكون الثمرة بينهما ففاسد أيضاً ولصاحب الأرض أجرتها على العامل‏.‏

 فصل في جواز المساقاة بعد خروج الثمار

قولان أظهرهما الجواز وفي موضع القولين طرق أصحها أنهما فيما قبل بدو الصلاح فأما بعده فلا يجوز قطعاً والثاني القولان فيما لم يتناه نضجه فإن تناهى لم يجز قطعاً والثالث طردهما في كل الأحوال ولو كان بين النخيل بياض بحيث تجوز المزارعة عليه تبعاً للمساقاة فكان فيه زرع

 فصل إذا كان في الحديقة نوعان من التمر فصاعداً

كالصيحاني والعجوة والدقل فساقا على أن له النصف من الصيحاني أو من العجوة الثلث فإن علماً قدر كل نوع جاز وإن جهله أحدهما لم يجز ومعرفة كل نوع إنما تكون بالنظر والتخمين دون التحقيق وإن ساقاه على النصف من الكل جاز وإن جهلا قدر النوعين ولو ساقاه على أنه إن سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فالنصف لم يصح للجهل ولو ساقاه على حديقته بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث أو على أن يساقيه العامل على حديقته ففاسد وهل تصح المساقاة الثانية ينظر إن عقدها وفاء بالشرط الأول لم يصح وإلا فيصح وسبق نظيره في الرهن‏.‏

فرع حديقة بين اثنين مناصفة ساقى أحدهما صاحبه وشرط له ثلثي الثمار صح وقد شرط له ثلث ثمرته وإن شرط له ثلث الثمار أو نصفها لم يصح لأنه لم يثبت له عوضاً بالمساقاة فإنه يستحق النصف بالملك وإذا عمل ففي استحقاقه الأجرة الوجهان ولو شرط له جميع الثمار فسد وفي الأجرة وجهان لأنه لم يعمل له إلا أنه انصرف إليه‏.‏

ولو شرط في المساقاة مع الشريك أن يتعاونا على العمل فسدت وإن أثبت له زيادة على النصف كما لو ساقى أجنبياً على هذا الشرط ثم إن تعاونا واستويا في العمل فلا أجرة لواحد منهما وإن تفاوتا فإن كان عمل من شرط له الزيادة أكثر استحق على الأجرة بالحصة من عمله وإن كان عمل الآخر أكثر ففي استحقاقه الأجرة الوجهان أما لو أعانه من غير شرط فلا يضر ولو ساقى الشريكان أجنبياً وشرطا له جزءاً من ثمرة كل الحديقة ولم يعلم نصيب كل واحد منهما جاز فإن قالا على أن لك من نصيب أحدنا النصف ومن نصيب الآخر الثلث من غير تعيين لم يصح وإن عيناً فإن علم نصيب كل واحد صح وإلا فلا‏.‏

فرع كانت الحديقة لواحد فساقى اثنين على أن لأحدهما نصف الثمرة وللآخر ثلثها في صفقته أو صفقتين جاز إن عين من له النصف ومن له الثلث‏.‏

فرع حديقة بين ستة أسداساً فساقوا رجلا على أن له من نصيب واحد عيونه النصف ومن نصيب الثاني الربع ومن الثالث الثمن ومن الرابع الثلثين ومن الخامس الثلث ومن السادس السدس فحسابه أن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن ومخرج الثلثين والثلث يدخل في السدس تبقى ستة وثمانية يضرب وفق أحدهما في الآخر تبلغ أربعة وعشرين تضربه في عدد الشركاء وهو ستة تبلغ مائة وأربعة وأربعين لكل واحد منهم أربعة وعشرون فيأخذ العامل ممن شرط له النصف اثني عشر ومن الثاني ستة ومن الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس أربعة فيجتمع له تسعة وأربعون‏.‏

الركن الرابع العمل وشروطه قريبة من عمل القراض وإن اختلفا في الجنس‏.‏

فمنها أن لا يشرط عليه عمل ليس من أعمال المساقاة ومنها أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى شاء‏.‏

فلو شرطا كونه في يد المالك أو مشاركته في اليد لم يصح ولو سلم المفتاح إليه وشرط المالك الدخول عليه جاز على الصحيح ووجه الثاني أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده ويتعوق بحضوره عن العمل ومنها أن ينفرد العامل بالعمل‏.‏

فلو شرطا مشاركة المالك في العمل فسد العقد وإن شرطا أن يعمل معه غلام المالك جاز على المذهب والمنصوص وقيل وجهان كالقراض هذا إذا شرطا معاونة الغلام ويكون تحت تدبير العامل فلو شرطا اشتراكهما في التدبير ويعملان ما اتفقا عليه لم يجز بلا خلاف وإذا جوزناه في الأول فلا بد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف وأما نفقته فإن شرطاها على المالك جاز وإن شرطاها على العامل جاز أيضاً على الأصح وعلى هذا هل يجب تقديرها ليعرف ما يدفع إليه كل يوم من الخبز والأدم أم لا بل يحمل على الوسط المعتاد لأنه يتسامح به وجهان وبالثاني قطع الشيخ أبو حامد وإن شرطاها في الثمار فقطع البغوي بالمنع لأن ما يبقى مجهول وقال صاحب الإفصاح يجوز لأنه قد يكون من صلاح المال ويشبه أن يتوسط فيقال إن شرطاها من جزء معلوم بأن شرطا للمالك ثلث الثمار وللعامل ثلثها ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام جاز وكأن المشروط للمالك ثلثاها وإن شرطاها في الثمار بغير تقدير جزء لم يصح ولو لم يتعرضا للنفقة أصلا فالمذهب والذي قطع به الجمهور أنها على المالك وفي وجه على العامل حكاه في المهذب ولصاحب الإفصاح احتمالان آخران أحدهما أنها من الثمرة والآخر يفسد العقد ولا يجوز للعامل استعمال الغلام في عمل نفسه ولو شرط أن يعمل له بطل العقد ولو كان له برسم الحديقة غلمان يعملون فيها لم يدخلوا في مطلق المساقاة ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة بطل العقد ولو شرط كون أجرة من يعمل معه على المالك بطل على المذهب وبه قطع الأصحاب وشذ الغزالي فذكر في جوازه وجهين‏.‏

يشترط لصحة المساقاة أن تكون مؤقتة فإن وقت بالشهور أو السنين العربية فذاك ولو وقت بالرومية وغيرها جاز إذا علماها فإن أطلقا لفظ السنة انصرف إلى العربية وإن وقت بإدراك الثمرة فهل يبطل كالإجارة أم يصح لأنه المقصود وجهان أصحهما عند الجمهور أولهما وبه قطع البغوي وصحح الغزالي الثاني فعلى الثاني لو قال ساقيتك سنة وأطلق فهل يحمل على السنة العربية أم سنة الإدراك وجهان زعم أبو الفرج السرخسي أن أصحهما الثاني فإن قلنا بالأول أو وقت بالزمان فأدركت الثمار والمدة باقية لزم العامل أن يعمل في تلك البقية ولا أجرة له وإن انقضت المدة وعلى الشجر طلع أو بلح فللعامل نصيبه منها وعلى المالك التعهد إلى الإدراك وإن حدث الطلع بعد المدة فلا حق للعامل فيه ولو ساقاه أكثر من سنة ففي صحته الأقوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في الإجارة أكثر من سنة فإن جوزناه فهل يجب بيان حصة كل سنة أم يكفي قوله ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة قولان أو وجهان كالإجارة وقيل يجب هنا قطعاً لكثرة الاختلاف في الثمر بخلاف المنافع فلو فاوت بين الجزء المشروط في السنين لم يصح على المذهب وقيل قولان كالسلم إلى آجال ولو ساقاه سنين وشرط له ثمرة سنة بعينها والأشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح‏.‏

قلت ولو ساقاه تسع سنين وشرط له ثمرة العاشرة لم يصح قطعاً وكذا إن شرط له ثمرة التاسعة الركن الخامس الصيغة ولا تصح المساقاة بدونها على الصحيح وفيها الوجه المكتفى في العقود بالتراضي والمعاطاة وكذا في القراض وغيره‏.‏

ثم أشهر الصيغ ساقيتك على هذه النخيل بكذا أو عقدت معك عقد المساقاة‏.‏

قال الأصحاب وينعقد بكل لفظ يؤدي معناها كقوله سلمت إليك نخيلي لتتعهدها على كذا أو اعمل على هذا النخيل أو تعهد نخيلي بكذا وهذا الذي قالوه يجوز أن يكون تفريعاً على أن مثله من العقود ينعقد بالكناية ويجوز أن يكون ذهاباً إلى أن هذه الألفان صريحة ويعتبر في المساقاة لقبول قطعاً ولا يجيء فيها الوجه المذكور في القراض والوكالة للزومهما‏.‏

فرع لو عقدا بلفظ الإجارة فقال استأجرتك لتتعهد نخيلي بكذا من ثمارها أو عقدا الإجارة بلفظ المساقاة فوجهان في المسألتين أحدهما الصحة لما بين البابين من المشابهة واحتمال كل لفظ معنى الآخر وأصحهما المنع لأن لفظ الإجارة صريح في غير المساقاة فإن أمكن تنفيذه في موضوعه نفذ فيه وإلا فلا وهو إجارة فاسدة والخلاف راجع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعنى ولو قال ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك فلا بأس لسبق لفظ المساقاة هذا إذا قصد بلفظ الإجارة المساقاة أما إذا قصدا الإجارة نفسها فينظر إن لم تكن خرجت الثمرة لم يجز لأن شرط الأجرة أن تكون في الذمة أو موجودة معلومة وإن كانت خرجت وبدا فيها الصلاح جاز سواء شرط ثمرة نخلة معينة أو جزءاً شائعاً كذا أطلقوه ولكن يجيء فيه ما سنذكره إن شاء الله تعالى في مسألة قفيز الطحان وأخواتها وإن لم يبد فيها الصلاح فإن شرط له ثمرة نخيله بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل الثمار للعامل وإن شرط جزءاً شائعاً لم يجز وإن شرط القطع لما سبق في البيع وإذا عقدا بلفظ المساقاة فالصحيح أنه لا يحتاج إلى تفصيل الأعمال بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب وقيل يجب تفصيلها وهذا الخلاف إذا علم المتعاقدان العرف المحمول عليه فإن جهله أحدهما وجب التفصيل قطعاً‏.‏